الوهم:
"محمد أفندي بسيوني رجل عادي....أنفق نصف عمره في التعليم والنصف الآخر في نسيان هذا التعليم على مكتب الوظيفة،لا يثيره الا شيء واحد في الدنيا أن تقول له :
إن زرار جاكتتك مفكوكة ..وشكلك غير محترم..فليس له سوى مثل أعلى واحد هو [[الاحترام]] !
طول عمره وهو يجري خلف هدف واحد ...هو "الاحترام"...
دخل كلية التجارة ليقال انه جامعي "محترم"....والتحق بوظيفة ثابتة ليقال أنه موظف "محترم"..وتزوج في سن مبكرة ليقال أنه زوج "محترم"..واختار أصدقاءه من كبار الموظفين ليقال أنه إنسان "محترم"...ولبس الطربوش والكرافتة في أغسطس ليقال أنه رجل "محترم"...
وهو قبل أن يتحدث يفكر قليلاً ...لا فيما يريد أن يقوله..وإنما فيما يقوله الناس "المحترمون" عادة في هذه المناسبة أو تلك...ثم يردده بسعادة وهو يفرك يديه وينظر في عيون المستمعين ليجمع منها نظرات الاحترام كما يجمع الفلاح لوزات القطن من حقله..
لا يحب زوجته ولا تطيقه زوجته ولكنه يحتفظ بشكل العلاقة بينهما حتى يظل محترماً..
لا تستطيع أن تعرف بالضبط ما هو لأنه في الغالب ليست له ...هو....التي يملكها الرجل الحر...
إنه حسب ما ترغب أنت لا حسب ما يرغب هو...لقد باع شخصيته ليشتري احترام الناس ورضاهم...ولم يفكر لحظة في مدلول هذا الاحترام..ولم يناقشه ولم يشك فيه...فهو قيمة عليا تتضاءل أمامها كل حقيقة حتى حقيقته...
وقد لقيني اليوم محمد أفندي بسيوني وكان يبدو عليه الاشمئزاز ...وسألته ما الخبر...فقال في تقزز:
- جيل ملعوووون ...تصور خادمتنا الصغيرة التي لا تتجاوز السادسة عشرة اكتشفت أنها حامل ..وتقول لي أنها حامل من ابني....الكذابة بنت ال**** أهذا معقول؟؟؟ ابني يفعل هذا ؟؟؟ ابني المتربي الذي نشأ في عائلة محترمة...
فقلت له في هدوء :
- هذا لا يحدث عادة الا في العائلات المحترمة.
إنها عائلات مصابة بالامساك المزمن...ومن المألوف أن تصاب بانفجار في المصران في أحد الأيام...
- ما هذا الهراء الذي تقوله..
- أنا أقول الحقيقة ...وماذا فعلت في الخادمة؟..
- طردتها طبعاً...وهل أعقل أن أعيش مع هذا الوباء..
وكان يبدو أنه لا يريد أن يستمع الى المزيد من تعليقاتي...كنت في نظره نوعاً آخر من الوباء لا يستحب السير معه..
ومضى في طريقه ..ومضيت في طريقي...ولكنني ظللت أفكر فيه...
إنه ذاهب لينام مع امرأة لا يحبها ولا تحبه...يفعل هذا مقابل احترامي...
وزوجته تفعل هذا في مقابل ثلاث وجبات ومصروف يد...وفي مقابل احترامي أيضاً...
والابن الذي ظل يأكل الاحترام ويشرب الاحترام عشرين عاماً ..تقيأ الاحترام دفعة واحدة في مقابل لحظة مع الخادمة...
وربما كانت هذه الخادمة هي ضحية الكل...فقدت عملها وعذريتها وربما حياتها في حمل مجهول المصير ...وكل هذا بلا مقابل ...حتى الاحترام فقدته الى الأبد ...حتى الذكرى أصبح لها اسم بغيض...
وهي في نظري أتعس الكل لأنها الضريبة المدفوعة عن كل خطايانا...
إنها الزنا الصغير الذي يستر الزنا الكبير الذي يجري في البيوت باسم الزواج ...والنفاق الأكبر الذي يجري في المجتمعات باسم الاحترام.
إن محمد أفندي بسيوني منافق كبير مهما لبس من أقنعة محترمة ، وابنه يحمل من الاثم أكثر مما تحمل الخادمة البائسة التي وقع عليها وزر الجميع"
الدروس المستفادة :
1. الاحترام ليس غاية في حد ذاته – السعي وراء احترام الناس دون الاهتمام بجوهر القيم الحقيقية يؤدي إلى حياة زائفة ومنافقة.
2. التربية القائمة على المظاهر لا تصنع أخلاقًا حقيقية – التركيز على الشكل الاجتماعي والاحترام الظاهري قد ينتج جيلاً غير مسؤول أخلاقيًا.
4. القيم الحقيقية أهم من الأحكام المجتمعية – اتباع القيم الحقيقية كالأمانة والصدق والعدالة أهم من الالتزام بأعراف اجتماعية زائفة.
5. الزواج والوظيفة والعلاقات ليست مجرد أدوات للوجاهة الاجتماعية – يجب أن تكون مبنية على الحب، التفاهم، والقيم الحقيقية وليس مجرد تحقيق صورة محترمة في أعين الآخرين.
6. المجتمعات المنافقة تدفع ثمن تناقضاتها – القيم الزائفة تؤدي إلى نتائج كارثية مثل الخيانة، الظلم، والانفجارات الأخلاقية غير المتوقعة.
7. المستضعفون غالبًا هم الضحايا الحقيقيون – الفئات الأضعف، مثل الخادمة في القصة، تدفع ثمن خطايا المجتمع، رغم أنها قد تكون الأقل ذنبًا.
8. الاحترام الحقيقي ينبع من الصدق وليس من التظاهر – يجب أن يكون الاحترام نابعًا من السلوك الفعلي لا من القواعد الشكلية المفروضة اجتماعيًا.
9. الحرية الشخصية تصنع إنسانًا حقيقيًا – الشخص الذي يبيع شخصيته ليكسب احترام الآخرين يفقد ذاته في النهاية.
10. النظام الاجتماعي القائم على الكبت يولد الانفجارات الأخلاقية – المجتمعات التي تكبت المشاعر والرغبات الطبيعية دون توجيه أخلاقي سليم تنتهي بتفجر المشاكل بأبشع صورها.
سؤال للمناقشة
ما معنى الإحترام من وجهة نظرك؟ وكيف يكون قيمة حقيقية نكتسبها ونكسبها لأبنائنا؟ (شارك بتعليق)