نحن لا نُربي أطفالنا فقط، بل نُحارب معهم ومن أجلهم، وسط عاصفة لا تهدأ من المؤثرات والشاشات والتطبيقات التي لا تنام. كنا نظن أن تربية الطفل تعني إطعامه وكسوته وتعليمه، فإذا بنا نكتشف أن التربية في هذا الزمن حرب نفسية وأخلاقية وتكنولوجية يومية.
في الماضي، كان الأب قدوة، والأم مرآة نقية، والمدرسة معبدًا للعلم. أما اليوم، فكل قدوة تُنازعها آلاف الصور على الإنترنت، وكل نصيحة تُغرقها تغريدة، وكل حلم صغير يُطعن من ألف إعلان يدعو الطفل لأن يكون شيئًا آخر غير نفسه.
الطفل اليوم لا يحتاج فقط إلى الحماية من الخطر، بل يحتاج إلى الحماية من الفوضى... من التشتت... من أن يصبح شخصًا لا يعرف من هو.
نحن نُربي أبناءنا في عالمٍ يُعلمهم أن "اللايقين" هو الحقيقة الوحيدة، وأن "الشك" هو الحكمة، وأن الهوية تُلبس وتُخلع كما تُبدل صورة الملف الشخصي.
تربية طفل اليوم لا تعني فقط أن تلقّنه الصح من الخطأ، بل أن تُنبت في قلبه بوصلة داخلية، تشعّ من ضوء الإيمان والعقل، لأن العالم من حوله يعرض عليه كل اتجاه… ولا يهمه إن ضل.
ولذلك، فإن المربي الحقيقي في هذا الزمن لا يمكن أن يكون غافلًا… لا يمكن أن يكون من أولئك الذين يلقون أبناءهم في حضن الهاتف ثم يقولون: "اللهم بلغت".
التربية اليوم تحتاج إلى قلب يقظ، وعقل حارس، وإيمان عميق بأن الهداية لا تورث، ولكنها تُزرع، وتُروى، وتُبذل لأجلها الليالي.
الطفل لا يحتاج إلى أبٍ خارق، بل إلى أبٍ صادق… لا يحتاج إلى أمٍ ملائكية، بل إلى أمٍ حقيقية… تمسك بيده في الزحام، وتهمس في أذنه وسط الضجيج: "ابقَ نقيًا… ولو تغير العالم".